الحمد للّه الذي "خلق الإنسان وعلّمه البیان" (الرحمن، 55/2).
فقد حدث منذ مطلع القرن العشرین، و خاصة بعدما انعطفت العلوم الإنسانیة نحو تحلیل الآثار الأدبیة و الأعمال الفنیة، ردودُ فعل علی مناهج الدراسات السابقة، و ذهب علماء الأدب إلی أنّ المناهج القدیمة أصبحت بالیة غیر مفیدة للبحوث الجدیدة، و أخذت البحوث الأدبیة تتأثر بتقدم العلوم الإنسانیة و سیطرة قواعدها علیها، فلابدّ من إعادة النظر فیها علی ضوء العلوم الحدیثة، کعلم النفس و علم الاجتماع، فصار تطوُّر مناهج البحث الأدبی و الإلمام بالفروع العلمیة الأخری، من الضروريّ للطلاب جدّا، للانتفاع بها في بحوثهم. و هذا الکتاب، في الحقیقة، تلبیة لرغبة طلاب الدراسات العلیا في فرع الأدب، و خاصة الأدب العربي، إلی کتاب علميّ، منهجيّ، تطبیقيّ یتناول مراحل البحث الأدبي و مناهجه، و یرشدهم إلی طرق تدوین البحث و أصوله، آخذا بأیدیهم منذ بدایة تفکیرهم في إختیار الموضوع و التقمیش و العرض إلی نهایة البحث.
مما یهمني هنا هو بیان السبب الذي دفعني إلی تألیف هذا الکتاب، و هو شعوري، أثناء تدریسي في مرحلة الماجستر و الدکتوراه، بأن طلاب اللغة العربیة و آدابها في الجامعات الإیرانیة في حاجة إلی أن یکون في متناولهم کتاب یبیّن لهم أصول البحث الأدبي و مراحله و مناهجه، و یساعدهم في کیفیة کتابة المقالة و تدوین الرسالة، بینما کان الطلاب أحیانا کثیرة لایعرفون مبادئ کتابة البحث و قواعده و طرقه، فلم یمض زمن کثیر حتی بدأتُ بجمع المواد من التراث العربي القدیم و الکتب العلمیة الحدیثة، و الانتفاع بکل تلك المصادر، ثم قمت بتبویب الفصول في سلسلة من مباحث علمیة متوالیة و مرتبة ترتیبا منطقیا ، في أسلوب سهل یقود الباحث إلی الهدف من أقرب سبیل، ملتزما فیه منهجا یوفّق بین الکتابة المنهجیة الجدیدة و بین الأسالیب الاتباعیة الصحیحة، حتی یکون الکتاب یسدّ نقصا ظاهرا لدی طلاب المرحلة الجامعیة الأولی في بحوثهم و تقریراتهم، و طلاب الدراسات العلیا في إعداد رسائلهم و أطاریحهم، و الباحثین في حقل الأدب و النقد، فبما أن الدراسات المنهجیة لاتختلف کثیرا بعضها عن بعض، آمل أن یفید هذا الجهد القلیل، المتخصصین و المعنیین بالدراسات الأدبیة، کما یفید الطلاب الجامعیین و الباحثین الناشئین.